دور محكمة التمييز أو محكمة النقض في مراقبة تفسير القانون الأجنبي وتطبيقه

  دور محكمة التمييز أو محكمة النقض في مراقبة تفسير القانون الأجنبي وتطبيقه





     محكمة النقض أو محكمة التمييز هي محكمة عليا ومهمتها ليس الفصل بين المتقاضين وليس محاكمة المتهمين كغيرها من المحاكم الأخرى كالمحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف وإنما مهمتها مراقبة هذه المحاكم إذا كان هناك خطأ في تطبيق القانون أو فسادا في الاستدلال أو صورا في إصدار الأحكام، وغيرها من الأخطاء التي قد تقع فيها هذه المحاكم وتصحيح تلك الأخطاء أي أنها محكمة مراقبة وليست محكمة فصل وتقوم بمهمتها عن طريق الطعون المقدمة إليها ، لكن هذا كله بالنسبة للقضايا والأحكام الوطنية أو الداخلية ، والسؤال المطروح:  : ما دور محكمة التمييز في مراقبة تفسير القانون الأجنبي وتطبيقه ؟هل يجوز لها ذلك ؟
        باستتثناء النظامين الأننجلوسكسوني والفدرالي ، فإن الوظيفة الأساسية للمحكمة العليا في أغلب أنظمة النقض المقارنة ، لا سيما تلك التي تسير على النسق الفرنسي ، تتمحور حول السهر على توحيد الاجتهادات القضائية ، ففي النظام اللاتيني ، تبذل محكمة النقض قصارى جهدها في العمل على توحيد الاجتهادات القضائية الصادرة عن المحاكم الدنيا.
   وبوصفها محكمة قانون فإنها لا تقضي في الدعاوى وإنما في الأحكام وتعتمد الوقائع كمسلمات ، وتنكب بعدئد على التحقق من مشروعية الحكم لترى ما إذا كان قاضي الموضوع قد طبق النصوص القانونية على الوقائع التي تبتت لديه وفسرها على نحو سليم أم لا ، إذ تبرم الحكم في الفرضية الأولى ، أما في الفرضية الثانية فإنها تنقضه ثم تحيله على محكمة أخرى أو على تلك التي أصدرته.
   والملاحظ أن للفقه مواقف متباينة من المسألة ، إذ منه ذهب إلى أن محكمة النقض تشبه المحاكم العادية ، وأن الطعن بالنقض لا يعدو أن يكون سوى وسيلة أخيرة يحصل من خلالها الخصوم على مطالبهم ، ومنه من أقر بأنها أداة في يد السلطة التشريعية ، تستند إليها من أجل قرض الاحترام اللزم لقواعد القانون التي تضعها ، ومنه من وجد بأنها تضطلع بوظيفة قوامها تصحيح الأخطاء التي تصدر عن قضاة الموضوع ولو في مجال سلطتهم التقديرية أثناء النظر في النزاعات المعروضة عليهم ،  وتباشر هذه الوظيفة عادة عن طريق بسط الرقابة في تسبيب الأحكام ، وهو دور ثانوي في مقابل دورها الرئيسي ، أي وظيفتها القانونية ، ومنه أيضا من ركز على هذه الأخيرة التي تتلخص في الحرص على تطبيق السليم للنصوص. غير أن الرأي السائد ، وإن اتفق على كون الوظيفة الرئيسية لمحكمة النقض تتجسد في العمل على توحيد الاجتهادات القضائية الصادرة المحاكم الدنيا ، إلا أن هذا لا يعني استبعاد الآراء الأخرى ، التي جاءت بوظائف لمحكمة النقض ، يمكن القول إنا وظائف تكميلية قد يتسع أو يضيق نطاقها تبعا لفلسفة المشرع ، والنهج الذي سطرته المحكمة لنفسها.
       بخصوص تطبيق القانون الأجنبي فهناك اتجاهات مختلفة  ، على مدى رقابة قضاء التمييز على الخطأ في تطبيق القانون الأجنبي أو تأويله، حيث هناك اتجاه يرى عدم قبول الطعن أمام قضاء التمييز لخطأ في تطبيق القانون الأجنبي بالاستناد والاعتماد على عدة حجج وبراهين ، من أهمها أن محكمة التمييز وجدت للحفاظ على صحة تطبيق القانون الوطني ، وليس للحفاظ على صحة تطبيق القانون الأجنبي ، وهذا لن يقنع لأن قضاء التمييز يمكن له الجمع بين كلا القانونين ، سواء الوطني أو الدولي. والحجة الثانية هي أن بسط محكمة التمييز رقابتها على صحة تطبيق القوانين الأجنبية ، قد يؤدي إلى تعداد الطعون معا مما قد يؤدي إلى التعارض مع قضاء تلك الدول ، الأمر الذي قد يمس هبة ومركز قضاء التمييز. والحجة الثالثة أن القانون الأجنبي هو واقعة مادية يجب إقامة الدليل عليها وما دام هو كذلك فلا يخضع لرقابة المحكمة العليا التي تتبعها محكمة الموضوع. الحجة الرابعة أن منح الرقابة للمحكمة العليا من شأنه أن يوقعها في التعارض مع أحكام المحكمة العليا الأجنبية في الدولة الشارعة للقانون.
ومن الدول التي تعتمد هذا المذهب نجد كل من فرنسا ، ألمانيا وإسبانيا وهولندا ورومانيا وبعض البلاد العربية مثل تونس والمغرب و لبنان.

   الاتجاه الثاني يقبل الطعن أما قضاء التمييز لخطأ في تطبيق القانون الأجنبي ، ويرى غالبية الفقه أن لمحكمة التمييز ، سلطة رقابية على تطبيق وتفسير القانون الأجنبي، وذك لكي لا يطبق قاضي الموضوع القانون الأجنبي على نحو خاطئ ما يؤدي إلى مخالفة القانون وعدم تحقيق العدالة، إضافة إلى أسانيد أخرى أهمها:
 - منح المحكمة العليا لتراقب قضاة الموضوع في تفسيرهم وتطبيقهم لقاعدة الإسناد يستتبع لإكتمال حلقة المتابعة والرقابة على تفسير القانون الأجنبي.
- من وظائف المحكمة العليا توحيد الاجتهاد القضائي ولتحقيق تلك المهمة يتعين على المحكمة العليا فرض رقابتها على تفسير القانون سواء كان وطنيا أو أجنبيا.
- عملية إخضاع تفسير القانون الأجنبي لرقابة المحكمة العليا يتفق مع ما يلزم من أن يكون القانون الأجنبي قانونا بمعنى الكلمة فهو ليس واقعة مادية ولا يصح تجريده من سلامة التطبيق بتوفير رقابة المحكمة العليا على تفسيره.
ومن الدول التي تقبل هذا نجد كل من إيطاليا وتركيا واليونان ومصر والكويت والأردن والإمارات العربية...
      عموما إن محكمة التمييز محكمة عليا مهمتها مراقبة المحاكم الأدنى منها إذا كان هناك خطأ في تطبيق القانون أو فسادا في الاستدلال أو صورا أو خطأ في إصدار الأحكام، هذا بالنسبة للقانون الوطني أما بالنسبة للقانون الأجنبي  قد يجوز لها تفسيره وتطبيقه في بعض الدول كما ذكرنا ، ولا يجوز في البعض الآخر ، وهذا راجع إلى النظام القانوني لكل دولة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق