مفهوم الأمة والدولة في نظر الإسلام، وعوامل تكوين الأمة الإسلامية


مفهوم الأمة والدولة في نظر الإسلام، وعوامل تكوين الأمة الإسلامية


مفهوم الأمة والدولة في نظر الإسلام، وعوامل تكوين الأمة الإسلامية


       من المعلوم أن البلاد العربية قبيل الدعوة الإسلامية كانت تضم أصنافا من العرب مختلفة الشعوب والقبائل متباينة اللهجات ، وكانت مختلفة أيضا في الوحدات السياسية ، فمنها ما كان خاضعا للدولة الرومية ، ومنها ما كان قائما بذاته مستقلا ، هذه الأمم المشتتة اجتمعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حول دعوة الإسلام ، وتحت لوائه ، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا تربطهم وشيجة واحدة من الدين ، ويضمهم سياج واحد من زعامة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك وحد الجزيرة العربية تحت سلطة سياسية واحدة ، وكان يرسل إلى كل إقليم من يتولى شؤون الإدارة ، والجباية، والقضاء، والتعليم ، والإفتاء. هذا ما يفسر مدى عمل صلى الله عليه وسلم على في جمع شمل الأمة الإسلامية.
     سوف نبين من خلال هذا الموضوع مفهوم الأمة والدولة في نظر الإسلام ، والعوامل المؤدية إلى تكوين الأمة الإسلامية. وبهذا فيمكن تعريف الدولة بأنها شعب يستقر في ارض معينة ويخضع لحكومة منظمة ، ويتضح من هذا التعريف أن الركن الأول لقيام الدولة هو الشعب.
      ويراد بالشعب جماعة من البشر تجمعهم الرغبة في العيش المشترك بصرف النظر عن اختلاف الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين أو المعتقدات أو الأفكار كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تكون شعبها من المهاجرين من دول شتى على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وأديانهم ومعتقداتهم.
     أما الأمة فهي جماعة من الناس تتحدد في عدد من عوام التقارب كالأصل واللغة والدين سواء أعاشوا في إطار دولة واحدة أم تفرقوا بين دول مختلفة. ويجري الفقه الدستوري على التمييز بين الشعب والأمة على أساس أن الرابطة التي تجمع بين أفراد الأمة هي رابطة طبيعية معنوية لا يترتب عليها أي أثر قانوني ، أما الرابطة التي تربط أفراد الشعب بالدولة هي رابطة الجنسية ، فكل شخص يحمل جنسية دولة معينة فإنه يعتبر من أفراد شعبها(1).
     وقد يضم الشعب عدة أمم كما كان الحال بالنسبة لجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا فتكون الدولة عرضة للانحلال والتفكك ، وقد يمثل الشعب جزءا من أمة موزعة بين عدة دول كما هو الشأن بالنسبة لشعوب الأمة العربية الموزعة بين 22 دولة.
     كما أن لكل من الدولة والأمة مدلول مختلف عن الآخر ، فإذا كانت الأمة ظاهرة اجتماعية ، فإن الدولة ظاهرة سياسية والفارق الجوهري بينهما يتمثل في عنصر السلطة السياسية الذي لا يشترط توافر لوجود الأمة في حين أنه أحد الأركان الأساسية لقيام الدولة، والتي هي تنظيم سياسي قانوني بمقتضاه ترتبط جماعة من الناس بصرف النظر عن جنسيتهم أو لغاتهم فتنشأ بينهم حقوق وواجبات.
      أما الأمة فتحمل دلالة نفسية وتاريخية تنشأ نتيجة شعور مشترك بين أفراد تجمعهم الرغبة في العيش معا ويربطهم تراث مشترك من العادات والمصالح ووحدة اللغة والدين والجنس على أن اجتماع هذه العوامل كلها لا يعد ضروريا قصد تكوين أمة إلا أن الدين كان يعتبر في الأزمنة القديمة هو العامل الأول والرئيسي في تكوين الجماعات القديمة وذلك خلافا للعصر الحديث إذ هناك من يرى أن وحدة اللغة أضحت أبرز تلك العوامل في تكوين أمة.(2)
      أما الأمة الإسلامية فهي تضم جميع المسلمين في أنحاء العالم سواء منهم من يخضع لدولة إسلامية أو يخضع لسلطة غير إسلامية في دار الإسلام أو دار الحرب ، فالجميع يكون أمة واحدة والرابط الأساسي الذي يربط أفراد الأمة الإسلامية هو وحدة العقيدة بصرف النظر عن اختلاف اللون والجنس واللغة والوطن ، فالإسلام لم يكن دين الأمة العربية أو دين أهل شبه الجزيرة العربية ، ذلك أن الإسلام يتنافى مع فكرة القومية التي تحصر الوحدة في إطار إقليمي ضيق ، بل كان دين الإنسانية جميع في شتى بلاد العالم ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(3).
      ويجدر التمييز بين الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية ذلك أنه إذا كان كل معتنقي الإسلام يكونون أمة واحدة ، فإن الدولة الإسلامية هي مجموعة من الأفراد هم بحسب الغالب من المسلمين يعيشون على رقعة من الأرض ويلتزمون التزاما قاطعا بالقواعد والأحكام والضوابط الإلهية في نطاق العقيدة والتشريع ، والمبنية في مصادرها التفصيلية ، ويخضعون لسلطة سياسية تلتزم بالامتثال وإتباع ما أمر بع الشارع(4) ذلك انه لا يكفي لقيام الدولة الإسلامية توفر الأركان الأساسية للدولة المشار إليها في افقه الدستوري المعاصر من شعب وإقليم وسلطة سياسية ، والتي بتوفرها يتحقق الركن المادي ، وإنما يتحتم لكي تعتبر الدولة إسلامية أن يتوفر لها إلى جانب الكيان المادي كيان روحي يشمل مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالعقيدة والتشريع الإسلامي والتي يتحدد بمقتضاها الإطار العام الذي يلتزم به المسلمون حكاما ومحكومين. ولا يشترط في شعب الدولة الإسلامية أن يتكون من المسلمين فقط وإن كانوا غالبيتهم بل يدخل في نطاق الشعب المسلمون الذين يخضعون لسلطتها وكذا غير المسلمين من أهل الذمة القيمين بها إقامة دائمة.
       خلاصة القول ، عن الدولة في نظر الإسلام هي مجموعة من الأفراد هم بحسب الغالب من المسلمين يعيشون على رقعة من الأرض ويلتزمون التزاما قاطعا بالقواعد والأحكام والضوابط الإلهية في نطاق العقيدة والتشريع ، والمبنية في مصادرها التفصيلية ، ويخضعون لسلطة سياسية تلتزم بالامتثال وإتباع ما أمر بع الشارع ، أما الأمة في نظر الإسلام هي جميع المسلمين في أنحاء العالم سواء منهم من يخضع لدولة إسلامية أو يخضع لسلطة غير إسلامية في دار الإسلام أو دار الحرب ، وتتكون هذه الأمة عن طريق الاجتماع حول دعوة الإسلام.

=======================

1-سمير عالية ، نظرية الدولة وآدابها في الإسلام : دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 1988 المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ص33.
2-عبد الحميد متولي: مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة ، الطبعة الأولى ، دار المعارف ص489.
3-الآية 28 سورة سبأ.


مفهوم الأمة والدولة في نظر الإسلام،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق